القائمة الرئيسية

الصفحات

اختصاص القضاء الجنائي بالدعوى المدنية التابعة

 



من أعداد الطالب الباحث: عماد أكضيض

طالب باحث في سلك الماستر تخصص العلوم الجنائية والأمنية-جامعة القاضي عياض مراكش


لتحميل المقال PDF 🔻

 تقديم عام للموضوع:

            من المعلوم أنه عند وقوع الجريمة تنشأ دعويان، دعوى عمومية تباشرها النيابة العامة والتي تهدف من ورائها إلى توقيع الجزاء والعقاب على مقترف الجريمة أو تطبيق القانون تطبيقا صحيحا يضمن حق المجتمع، باعتبارها المدافعة على حق الحق العام، ودعوى مدنية تابعة يرفعها المتضرر من الجريمة يطالب فيها بتعويض عما أصابه من ضرر سببته له الجريمة، والتي ترفع عادة أمام القضاء المدني، الذي يعد المرجع الأصيل للنظر في الدعاوى المدنية والمرتبطة بحق شخصي، وتتم هذه الدعوى وفق القواعد العامة للتقاضي أمام القضاء المدني.

     غير أن مبدأ اختصاص القضاء المدني للبث في دعوى التعويض ترد عليه استثناءات، وهو ما يمكن استقراءه من المقتضيات القانونية الواردة في المواد من 7 الى 14 من قانون المسطرة الجنائية، والتي تجيز للطرف المتضرر إمكانية إقامة دعواه المرتبطة بالمطالبة بالتعويض أمام القضاء الجنائي، مما يسمح معه للقضاء الجنائي بالنظر في الدعوى المدنية متى كانت مرتبطة بالدعوى العمومية.

    هذا ويبقى للمتضرر كذلك الحق في الخيار بين اللجوء بدعواه الى القضاء المدني أو الجنائي، غير أن هذا الحق ليس مطلقا، وإنما يبقى خاضعا لبعض القيود والإجراءات، أساسها أن القاضي الجنائي لا يفصل في الدعوى المدنية الا إذا كان موضوعها المطالبة بالتعويض عن الضرر الناتج عن الجريمة، على اعتبار أن المطالبة بالتعويض هو جوهر الدعوى المدنية التابعة.

  ويقصد بالادعاء المدني في مرحلة المحاكمة تدخل المضرور من الجريمة في الدعوى الجنائية أثناء تداولها أمام المحكمة الجنائية، وذلك للمطالبة بالتعويض الجابر للضرر الشخصي المباشر والمحقق الوقوع حالا أو مستقبلا والذي لحق به من جراء الفعل المكون للجرم، والذي تختص المحكمة الجنائية بالفصل فيه، سواء كانت الدعوى الجنائية قد أحيلت عليها من طرف النيابة العامة أو سلطة التحقيق، أو كانت قد حركت من جانب المدعي المدني.

   ويكتسي موضوع اختصاص القاضي الجنائي بالدعوى المدنية التابعة أهمية بالغة، ذلك أنها تشكل وسيلة فعالة وناجعة تسمح للمتضرر من الجريمة باقتضاء حقه عن طريق تنصيب نفسه كمطالب للحق المدني سواء كان ذلك أمام قاضي التحقيق أو أمام المحكمة المكلفة بالنظر في الدعوى العمومية، ناهيك على أنها توفر الوقت والجهد والمصاريف على المتضرر، كما أنها تمنع من حصول التناقض بين الأحكام الصادرة عن جهات الحكم المختلفة في نفس موضوع الدعوى.

   وعليه سنحاول دراسة هذا الموضوع من خلال مطلبين، سنناقش ماهية الدعوى المدنية وشروط اختصاص القضاء الجنائي بها في (المطلب الأول)، على أن نخصص (المطلب الثاني) للحديث عن شكليات وإجراءات ممارسة الدعوى المدنية أمام القضاء الزجري.

المطلب الأول: ماهية الدعوى المدنية التابعة وشروط اختصاص القضاء الجنائي بها

        سنحاول أن نتطرق في هذا المطلب الى تعريف الدعوى المدنية التابعة (الفقرة الأولى)، وفي (الفقرة الثانية) سنتحدث على شروط اختصاص القضاء الجنائي بها.

الفقرة الأولى: مفهوم الدعوى المدنية التابعة

    تتميز الدعوى المدنية التابعة عن باقي الدعاوى الأخرى بتعريفها الخاص، وتتحد معهم في أطرافها، والمتعلقة أساسا في المدعي والمدعى عليه، وعليه سنعرض في هذه الفقرة إلى تعريف الدعوى المدنية التابعة وأطرافها (أولا)، وفي النقطة الثانية الى موضوعها (ثانيا).

أولا: تعريف الدعوى المدنية التابعة وأطرافها

     لمعالجة هذه النقطة سنقسمها الى قسمين، نتحدث في (1) عن تعريف الدعوى المدنية التابعة، وفي القسم الثاني نتحدث عن أطرافها (2).

تعريف الدعوى المدنية التابعة

    يمكن تعريف الدعوى المدنية التابعة بأنها مطالبة من لحقه ضرر ناتج عن جريمة أمام القضاء الجنائي، من الخالف أو المسؤول عن حقوقه المدنية بجبر الضرر الذي أصابه نتيجة الفعل المرتكب والذي أضر بالمدعي.

   كما تعرف أيضا بأنها:" مسطرة اقتضاء الحقوق الشخصية التي مسها فعل يعد جريمة، والمتمثلة في المطالب الموجهة إلى المتهم أو المسؤول عنه، قصد جبر الضرر الذي لحق المتضرر جراء الجريمة التي ارتكبها المتهم أمام القضاء الجنائي.

   هذا ويمكن القول بأن الدعوى المدنية التابعة سميت بذلك الاسم، لأنها تقام تبعا للدعوى العمومية، وتتجلى تبعية هذه الدعوى أنها متى كانت المحكمة الجنائية تنظر في الدعوى العمومية والدعوى المدنية معا، فإنها تكون ملزمة بالفصل فيهما بحكم واحد.

  هذا وقد عرفها قانون تحقيق الجنايات الفرنسي بأنها:" الدعوى المتعلقة بالإصلاح الضرر الناجم عن جناية أو جنحة أو مخالفة، وتكون لكل أولئك الذين الحق بهم شخصيا ضرر مباشر ناجم عن الجريمة".

  وبالإضافة الى ذلك فالدعوى المدنية التابعة تخضع في أحكامها لقواعد قانون المسطرة الجنائية، ولا يجوز تطبيق قواعد قانون المسطرة المدنية عليها إلا إذا وجد نص صريح ينص على ذلك.

   ورغم هذه التبعية، توجد بعض القواعد التي تستقل بها الدعوى المدنية التابعة عن الدعوى العمومية، وتتجلى هذه الاستقلالية أساسا في أسباب الانقضاء، فكل دعوى لها أسباب انقضاء خاصة بها، ذلك أن سقوط العوى العمومية لا يترتب عنه سقوط الدعوى المدنية، إذ تبقى خاضعة لاختصاص القضاء الزجري.

  وبناء على ما سبق وفي نظري المتواضع يمكن تعريف الدعوى المدنية التابعة بأنها:" وسيلة وضعها المشرع المغربي في يد كل متضرر من فعل يعد جريمة في نظر القانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه، وذلك للمطالبة بجبر الضرر أو الأضرار الناجمة عن الفعل المرتكب، ذلك أنه يمكن للمدعي المتضرر أن يقدم دعواه وينصب نفسه طرفا مدنيا سواء أمام قاضي التحقيق أو أمام قضاء الحكم، وهنا أعطى المشرع للطرف المتضرر الخيار بين إقامة الدعوى أمام القضاء الجنائي أو أمام القضاء المدني".

  وهذا ما أكدت عليه المادة السابعة من قانون المسطرة الجنائية والتي جاء فيها:" يرجع الحق في إقامة الدعوى المدنية للتعويض عن الضرر الناتج عن جناية أو جنحة أو مخالفة، لكل من تعرض شخصيا لضرر جسماني أو مادي أو معنوي تسببت فيه الجريمة مباشرة".

أطراف الدعوى المدنية التابعة

يتمثل أطراف الدعوى المدنية التابعة في كل من المدعي والمدعى عليه.

الطرف المدعي

هو الطرف الإيجابي في الدعوى المدنية التابعة، ويشترط فيه أن يكون قد تضرر شخصيا ومباشرة من الجريمة سواء كانت جناية أو جنحة أو مخالفة، ولو لم يكن هو الضحية كزوج الضحية مثال، ويشترط فيه أن يكون ذا أهلية كاملة وإلا ناب عنه ممثله القانوني، أما الشخص المعنوي فينوب عنه ممثله القانوني.

  كما أجازت المادة 7 من ق.ج للجمعيات ذات المنفعة العامة ان تنتصب طرفا مدنيا إذا كانت قد تأسست بصفة قانونية منذ أربع سنوات على الأقل من ارتكاب الجريمة، ونفس الشيء بالنسبة للدولة والجماعات المحلية، إذ لها أن تنصب نفسها طرفا مدنيا لمطالبة مرتكب الجريمة أن يرد لها المبالغ التي طلب منها دفعها لموظفين أو لذوي حقوقهم.

  وهي نفس المقتضيات التي نصت عليه جل التشريعات العربية والغربية، إذ جاء في نص المادة 251 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية المصري على أنه:" لا يجوز الادعاء بالحقوق المدنية وفقا لأحكام هذا القانون إلا عن الضرر الشخصي المباشر عن الجريمة والمحقق الوقوع حالا أو مستقبلا".

  كما جاء في المادة 07 من مجلة الإجراءات الجزائية التونسي :" الدعوى المدنية من حق كل من لحقه شخصيا ضرر نشأ مباشرة عن الجريمة".

 لنجد المادة 02 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري تنص على أنه:" يتعلق الحق في الدعوى المدنية للمطالبة بتعويض الضرر الناتج عن جناية أو جنحة أو مخالفة بكل من أصابهم شخصيا ضرر مباشر تسبب عن جريمة".

  وهو ما تم تأكيده في العديد من الأحكام والقرارات القضائية، فعلى مستوى محاكم الموضوع قضت استئنافية آسفي في قرار لها بأنه:" يشترط في المطالب المدنية أمام المحاكم الزجرية أن تقدم من المتضرر شخصيا وبصفة مباشرة عن الفعل الاجرامي".

الطرف المدعى عليه

   المدعى عليه في الدعوى المدنية التابعة المقامة أمام المحاكم الزجرية هو كل شخص طبيعي أو معنوي يلزمه القانون بتعويض الضرر الناشئ عن الجريمة سواء كان فاعلا أصليا أو مساهما أو مشاركا في ارتكابها، كما تجوز اقامتها على ورثة مرتكب الجريمة، أو ضد الأشخاص المسؤولين عنه مدنيا.

المسؤولون جنائيا عن ارتكاب الجريمة ( المتهم ): يحق للمتضرر من الجريمة أن يطلب التعويض من المسؤولون جنائيا عن ارتكاب الجريمة وهم الفاعل الأصلي والمساهمين في حالة تعددهم والمشاركين والفاعل المعنوي سواء كانوا أشخاص طبيعيين أم معنويين، فإن رفعت الدعوى ضد أحدهم جاز له أن يدخل باقي المسؤولين في الدعوى، وإن دفع التعويض له أن يرجع عليهم بنسبة مناب كل واحد منهم.

الورثة: هم ورثة المسؤولون جنائيا عن الجريمة وورثة المسؤولون عن الحقوق المدنية، حيث يخرج التعويض وهو دين لصالح المتضرر من أموال التركة قبل توزيعها بين الورثة.

المسؤولون عن الحقوق المدنية: يجوز رفع الدعوى المدنية أيضا على المسؤولين عن الحقوق المدنية عن فعل المتهم ( و هم في قانون الالتزامات و العقود الدولة و البلديات و المتبوعون و أصحاب الحرف و الاقارب و من يلتزم بمراقبة المختلين عقليا) طبقا للفصل 79 وما يليه.

الوكيل القضائي للمملكة: يجب تبليغ الوكيل القضائي بإقامة الدعوى العمومية في حق قاض، أو موظف عمومي، أو عون، أو مأمور للسلطة، أو القوة العمومية وذلك قصد تمكينه من الدفاع عن المصالح المالية للدولة.

ثانيا: موضوع الدعوى المدنية التابعة

    لما كان سبب الدعوى المدنية هو الجريمة التي ترتبت عنها أضرار للغير، فإنه من حق هذا الأخير أن يطالب بتعويضه عنها، وبإصلاح تلك الأضرار وبإعادة الحالة الى ما كانت عليه قبل ارتكاب الجريمة، والمطالبة كذلك بالمصروفات التي استلزمها حصوله على حقه، وبناء على ما ذكر يشمل موضوع الدعوى المدنية المطالب التالية:

التعويض

هو المقابل الذي يطلبه المتضرر لإصلاح الضرر اللاحق به بسبب الجريمة، وقد يكون تعويضا عينيا أو ماليا أو قيام بعمل أو معنويا كنشر الحكم الصادر بالإدانة، ويشترط فيه أن يكون مناسبا لحجم الضرر ويخضع لسلطة المحكمة التقديرية مراعية حجم الضرر وخطأ الضحية وهل كانت الجريمة وعمدية ... إلخ.

  ويخضع التعويض المدني أمام المحكمة الجنائية لنفس الأحكام التي تطبق على التعويض في المسؤولية التقصيرية، المطالب به في إطار دعوى مدنية أصلية.

  ويقضي الفصل 108 من مجموعة القانون الجنائي بأن :" التعويضات المدنية المحكوم بها يجب أن تحقق للمتضرر تعويضا كاملا عن الضرر الشخصي الحال المحقق الذي أصابه مباشرة من الجريمة". 

الرد

    يقصد بالرد إرجاع الأشياء أو المبالغ أو الأمتعة المنقولة الموضوعة تحت يد العدالة إلى أصحاب الحق فيها، فهو بمثابة إعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل وقوع الجريمة، كما عرفه الفصل 106 من القانون الجنائي المغربي بأنه إعادة الأشياء أو المبالغ أو الأمتعة المنقولة الموضوعة تحث يد العدالة إلى أصحاب الحق فيها، هذا وقد عرفته كذلك المادة 43/1 من قانون العقوبات الأردني بأنه:" الرد عبارة عن إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل الجريمة، وتحكم المحكمة بالرد من تلقاء نفسها كلما كان الرد في الإمكان".

   وتجوز المطالبة بالرد من طرف الضحية أو حتى من طرف المتهم، ويمكن للمحكمة أن تأمر برد الأشياء المحجوزة من تلقاء نفسها، أو برد ثمنها إذا كان قد تقرر بيعها خشية فسادها أو تلفها أو نتيجة تعذر الاحتفاظ بها حسب ما يقضي به الفصل 107 من القانون الجنائي.

   هذا بالإضافة الى أن المادتان 40 و 49 من قانون المسطرة الجنائية أجازتا لوكيل الملك والوكيل العام للملك كلما تعلق الأمر بانتزاع حيازة بعد تنفيذ الحكم كل في حدود اختصاصه، أن يأمر باتخائ أي اجراء تحفظي يراه ملائما لحماية الحيازة و ارجاع الحالة الى ما كانت عليه، على أن يعرض هذا الأمر على المحكمة أو هيأة التحقيق التي رفعت اليها القضية أو سترفع اليها، لتأييده أو تعديله أو إلغاءه.

المصاريف

ويقصد بها المصاريف والرسوم التي تدفع للخزينة العامة في كل دعوى مقابل الفصل فيها وتشمل نفقات الخبراء والمعاينات وسماع الشهود ورسوم الخزينة وغيرها من المصاريف التي تنفقها الخزينة العامة للسير في الدعوى. لكن إذا رفضت دعوى المطالب بالحق المدني فصائرها يتحمله هو بنفسه .

  ويستعمل بعض الشراح مصطلح المصاريف القضائية بمعنى خاص، فيربطه بالنفقات التي يتكبدها المطالب بالحق المدني بغرض الوصول الى اقتضاء التعويض الجابر للضرر الذي لحقه شخصيا والتي اضطره اليه (أي النفقات) المتهم بالجريمة التي تعتبر سببا للجوء بالمطالبة مدنيا أمام القضاء، فتشمل تلك الرسوم القضائية المؤداة ان كانت واجبة، وأتعاب المحامي الذي يقوم له بالمسطرة وغيرها من المصاريف التي لا بد من بذلها حتى يتيسر له التعويض.

 ويقضي الفصل 105 من القانون الجنائي المغربي بأن :" كل حكم بعقوبة أو تدبير وقائي، يجب أن يبث في الصوائر و مصاريف الدعوى طبق القواعد المنصوص عليها في الفصلين 347 و 348 من قانون المسطرة الجنائية".

  وهنا يجب التذكير بأن الطرف المدني عند اقامته الدعوى العمومية ما لم يكل مستفيدا من المساعدة القضائية، أن يودع بكتابة الضبط المبلغ الذي يفترض بأنه ضروري لمصاريف الدعوى

 ويحدد له أجل للإيداع وذلك تحت طائلة عدم قبول شكايته، وتحدد هذه المبالغ بأمر من قاضي التحقيق الذي يراعي الإمكانيات بالنسبة للمشتكي، وهو ما تضمنته الفقرة الأولى من المادة 95 من ق.م.ج.

   هذا وحسب المادة 109 من القانون الجنائي فجميع المحكوم عليهم من أجل نفس الجناية أو الجنحة أو المخالفة، متضامنون في أداء الغرامات والرد والتعويضات المدنية والصوائر، الا إذا نص الحكم على خلاف ذلك.

  ومن الطبيعي أن يطالب المدعي المدني باسترداد الرسوم والمصاريف القضائية التي يستلزمها تنصيبه كطرف مدني، وتحدد هيئة التحقيق أو الحكم من يتحمل عنه تلك المصاريف

الفقرة الثانية: شروط اختصاص القضاء الجنائي بالدعوى المدنية التابعة

     يختص القضاء الجنائي أساسا بالنظر في الدعوى العمومية، واختصاصه بالنظر في الدعوى المدنية اختصاص تبعي بسبب الجريمة التي أقيمت الدعوى العمومية بناء عليها، وحتى تختص المحكمة الزجرية بالنظر في الدعوى المدنية التابعة لا بد من توفر مجموعة من الشروط الأساسية والتي نحددها في النقاط التالية:

أولا: شرط وقوع الجريمة من المتهم

     يشترط لاختصاص القضاء الجنائي بالدعوى المدنية التابعة، أن يكون سببها الضرر الناشئ من فعل مجرم مطروح أمام المحكمة الجنائية، فإذا كان الفعل الذي سبب الضرر لا يشكل في القانون جريمة، فإنه يعد فعلا غير مشروع من الناحية المدنية وحدها ولا يكون للمحاكم الجنائية اختصاص بنظر دعوى التعويض عنه، وإنما يكون الاختصاص للمحاكم المدنية وحدها.

  وعلى هذا الأساس لا يكون للقضاء الجنائي اختصاص الا إذا كان الضرر قد نشأ مباشرة عن جريمة وقعت من المتهم واستكملت لركنيها المادي والمعنوي ولو كان المتهم غير مسؤول جنائيا أو توفر له مانع من موانع العقاب.

   وقد نص المشرع المغربي في هذا الإطار في المادة 389 من قانون المسطرة الجنائية على أنه:" إذا تبين أن المتهم لم يرتكب الفعل أو أنه لا يكون مخالفة للقانون الجنائي، فإن المحكمة تصدر حكما بالبراءة، وتصرح بعدم اختصاصها للبث في الدعوى المدنية، وتبث عند الضرورة في رد ما يمكن رده... إذا كان المتهم يستفيد من عذر يعفي من العقوبة فإن المحكمة تقرر إعفاءه، لكنها تبقى مختصة بالدعوى المدنية".

  وتطبيقا للمقتضيات أعلاه قضت محكمة النقض المغربية في قرار لها على أن:" الأساس القانوني للحكم بالتعويض على المطالب بالحق المدني هو الفصل 381 من قانون المسطرة الجنائية الذي ينص على أنه إذا كان الفعل غير منسوب الى المتهم أو لم تكن له صفة مخالفة للقانون الجنائي، فإن المحكمة تصدر حكما بالبراءة وتبث بموجب نفس الحكم – إذا اقتضى الحال – في مطالبة التعويض عن الضرر التي يقدمها المتهم ضد المطالب بالحق المدني".

ثانيا: وجود ضرر لاحق بالمطالب بالحق المدني

     لا يكفي وقوع جريمة تنظر فيها المحكمة الزجرية بحكم الاختصاص للقول بإمكانية رفع الدعوى المدنية إليها، لكن وجب أن ينتج عن هذه الجريمة ضرر لحق المطالب بالحق المدني بصفة مباشرة، ولا يمكن والحالة هاته الركون الى الضرر والاضطراب الاجتماعي الذي تسببت فيه الجريمة باعتبار المتضرر فرد من هذه المنظومة الاجتماعية المتضررة، وهو ما أكدته محكمة النقض المغربية في العديد من القرارات الصادرة عنها، حيث قضت في قرار لها بأن:" حق إقامة الدعوى المدنية أمام المحاكم الجزائية قصد المطالبة بالتعويض عن الضرر هو حق استثنائي لا يجوز أن يمارس الا في الحالات التي حددها القانون.

  الدعوى المدنية لا تسمع أمام المحاكم الجزائية إلا من الطرف الذي تضرر شخصيا ومباشرة من الجرم الذي نشأ عنه الضرر".

  وفي قرار آخر قضت فيه محكمة النقض بأن:" إقامة الدعوى المدنية أمام المحاكم الجنائية قصد المطالبة بالتعويض عن الضرر حق استثنائي لا يجوز ان يمارس الا في الحالات التي حددها القانون، ولا تسمع هذه الدعوى الا من الطرف الذي تضرر شخصيا ومباشرة من الجرم الذي نشأ عنه الضرر، سواء كان المتضرر شخصا طبيعيا أو معنويا...".

   نفس التوجه ذهبت فيه محكمة النقض المصرية في قرار لها، حيث خلصت فيه الى أن:" القلق والاضطراب الذي يتولد عن الجريمة لدى أحد المواطنين لا يجوز الادعاء به مدنيا أمام المحكمة الجنائية".

    وفي هذا الصدد يذهب بعض الفقه إلى القول بأن الضرر الذي ينجم عن الجريمة ويصلح أساسا للمطالبة بالتعويض عنه أمام المحاكم الجنائية يمكن أن يكون ضررا ماديا أي يصيب بأذاه المضرور في ذمته المالية، ويمكن أن يكون أدبيا محضا ينصب أذاه على شرف المضرور أو سمعته أو اعتباره أو ينحصر في مجرد إيلام شعوره وعواطفه، أما الضرر الاحتمالي وهو الضرر الذي لم يقع، ولكنه قد يقع في المستقبل فلا هو مؤكد الوقوع ولا هو مقطوع بعدم وقوعه، وإنما هو بين الأمرين محتمل، فهو ضرر لا يصلح أساسا لدعوى التعويض وانما ينبغي دائما انتظار وقوعه حقيقة أو فعلا.

   وعليه لا يجوز للطرف المدني أن يطالب بالتعويض عن ضرر أصاب شخصا آخر سواه، إذ لا صفة له في ذلك.

  وهو ما تم التأكيد عليه من طرف محكمة النقض في قرار لها، والتي قضت فيه بأن:" زوج المعتدى عليها في جريمة الاغتصاب لم يكن هو المتضرر شخصيا ومباشرة من الجريمة، فلا صفة له في التدخل كمطالب بالحق المدني".

  وعلى هذا المنوال قد يعمد المطالب بالحق المدني في التوسع في مفهوم الضرر الذي لحقه ليشمل مطالب أخرى، وطبعا يبقى ذلك من صلاحية المحكمة التي لها أن تقدر ما ان كان يدخل ضمن مفهوم المادة 7 من ق.م.ج، ومن الأعمال القضائية الذي تم الوقوف عليها في هذا الصدد، ما طالبت به شركة التأمين باسترداد مبالغ مالية كانت قد أدتها للمتضررين نيابة عن المتهم في قضية تتعلق بحادثة سير، حيث اعتبرت أن فتح المتابعة بخصوص جناية القتل العمد جعل من دفعها للتعويضات سابق لأوانه، فانضمت للدعوى الجنائية في إطار الدعوى المدنية التابعة طالبة استرجاع هذه المبالغ، وقضت محكمة الموضوع برفض الطلب بعلة أنها غير متضررة بصفة مباشرة من الجريمة، وقد أيدت محكمة النقض هذا التوجه بقولها:" حيث إنه لما كان المقرر قانونا أن الحق في إقامة الدعوى المدنية استثناء أمام المحكمة الزجرية لكل من تعرض شخصيا لضرر جسماني أو مادي أو معنوي تسببت فيه الجريمة مباشرة، وكان الظاهر من أوراق الملف أن الطاعنة ترمي من وراء طلبها الى استرداد ما دفعته من تعويض للمتضررين نيابة عن المتهم، وليس من أجل المطالبة بتعويض عن ضرر أصابها مباشرة من الجريمة، فإن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه إن كانت ما ساقته من تعليل لا يستقيم والمبدأ المذكور، فإن ما انتهت اليه من نتيجة يبقى مطابقا للقانون مما يجعل الوسيلة على ما هي عليه غير مبنية على أساس قانوني سليم، لأجله قضت برفض الطلب".

  هذا بالإضافة إلى أنه يشترط لاختصاص القضاء الجنائي بالدعوى المدنية أن تتوفر العلاقة السببية بين الجريمة والضرر المطلوب التعويض عنه، فإن تخلف هذا الشرط فإن المحكمة الزجرية لا تكون لها ولاية الفصل في المطالب المدنية التي يرجع نظرها حينئذ للمحكمة المدنية، وهذا ما أكدته محكمة النقض الفرنسية في قرار لها قائلة:" ان التعويض المدني الذي تقضي به المحاكم الجنائية يجب أن يكون مبنيا على ذات الواقعة المعروضة على المحكمة المطلوب المحاكمة على أساسها، فإذا رأت المحكمة أن المدعي المدني لا يستحق تعويضا على هذا الأساس، فلا يكون لها أن تقضي على أساس آخر، وذلك لأن قضاءها في الدعوى المدنية استثناء لا يقبل التوسع".

ثالثا: أن تكون الدعوى العمومية قائمة ومقبولة أمام المحكمة الزجرية المرفوعة اليها

      وهذا أمر بديهي لكون الدعوى المدنية التابعة تابعة للدعوى العمومية التي تعتبر الأصل، وعدم قبول الأصل يستتبع عدم قبول الفرع، وذلك كأن ترفع الدعوى أمام محكمة زجرية غير مختصة نوعيا بالجريمة المنظور فيها، وبالتالي وجب أن تكون الدعوى العمومية مقبولة أولا أمام المحكمة الزجرية حتى يمكن قبول تدخل المضرور كمطالب بالحق المدني.

  وفي هذا الاطار قضت محكمة الاستئناف بورزازات في قرار لها رقم 45 صادر بتاريخ 07/04/2015 ملف جنائي رقم 63/2015 :" حيث إنه باستثناء المتهم المدان فإنه لا توجد أية دعوى عمومية جارية أمام هذه المحكمة ضد باقي المتدخلين، والمعلوم قانونا أن مناط اختصاص المحكمة الزجرية للبث في الدعوى المدنية التابعة مرتبط بقيام دعوى عمومية ضد في الضرر أمامها، مما يتعين معه التصريح بعدم الاختصاص للبث في هذه المطالب المدنية". ضافة:

متى توفرت الشروط المشار اليها أعلاه، وكنا أمام جهة زجرية مختصة للنظر في الدعوى المدنية التابعة، فإن ذلك ينتج مجموعة من الآثار والتي يمكن أن نجملها فيما يلي:

المطالب بالحق المدني طرف في الدعوى

عدم خضوع المطالب المدنية لأداء الرسوم القضائية

حقوق الدفاع الخاصة بالمطالب بالحق المدني

إمكانية رفع الدعوى المدنية في سائر مراحل المسطرة إلى غاية اختتام المناقشات

تعيين الوكيل الخصوصي

الفصل في الدعويين العمومية والمدنية

للمطالب بالحق المدني سلوك طرق الطعن

المطلب الثاني: إجراءات ممارسة الدعوى المدنية التابعة أمام القضاء الزجري

        من المعلوم أنه بمجرد ما ترفع القضية الى المحكمة الزجرية، والتي قد يكون المتضرر هو الذي حركها، أو أنه انضم اليها بعد تحريكها من طرف النيابة العامة، تبدأ إجراءات المحاكمة التي تحتل فيها الدعوى المدنية حيزا هاما، إذ لا يمكنها أن تستقيم كما نظمتها مواد قانون المسطرة الجنائية إلا باحترام المساطر المخولة للطرف المدني في سبيل الحصول على التعويض المرمم للأضرار التي طالته جراء فعل مجرم بمقتضى القانون الجنائي.

  وعليه سنحاول في دراستنا لهذا المطلب أن نتطرق الى شكليات ممارسة الدعوى المدنية أمام قاضي التحقيق ( الفقرة الأولى)، على أن نتحدث في ( الفقرة الثانية) على شكليات ممارسة الدعوى المدنية أمام قضاء الحكم.


  الفقرة الأولى: شكليات المطالبة أمام قاضي التحقيق

     عندما يطالب المتضرر شخصيا بالتعويض عن الضرر اللاحق به من جراء الجريمة بتنصيب نفسه طرفا مدنيا أمام قاضي التحقيق، فإن من أهم الشكليات التي يجب مراعاتها تتلخص في النقاط التالية:

أولا: أن يكون الطرف المدني آهلا للادعاء، وإلا وجب تقديم المطالبة لفائدته حسب الأحوال عن طريق ممثله القانوني حسب ما تقضي به المادة 352 و 353 من قانون المسطرة الجنائية، حيث نصت المادة 353 على أنه:" إذا كان الشخص الذي يدعي الضرر غير مؤهلا لتقديم الطلب بنفسه بسبب مرض عقلي أو بسبب قصوره، ولم يكن له ممثل قانوني، فللمحكمة أن تعين له لهذا الغرض وكيلا خصوصيا بناء على ملتمس من النيابة العامة.

  يمكن لرئيس الهيئة المحالة عليها أفعال ارتكبها في حق قاصر ممثله القانونين أن يعين له وكيلا خصوصيا ليقوم بتقديم المطالب المدنية لفائدته".

  وهو نفس المقتضى الي أكده المشرع المصري في المادة 252 من قانون الإجراءات الجنائية المصري.

ثانيا: يجب على الطرف المدني الذي لا يقيم داخل دائرة نفوذ المحكمة التي يجري فيها التحقيق، أن يختار موطنا بدائرة تلك المحكمة، وفي حالة عدم قيامه بذلك فلا يمكنه الدفع بعدم تبليغه الإجراءات التي كان يجب تبليغها اليه بمقتضى القانون طبقا لما تنص عليه المادة 96 من قانون المسطرة الجنائية.

ثالثا: على المتضرر المطالب بالحق المدني أمام قاضي التحقيق، سواء كان هو المحرك للدعوى العمومية، أو اقتصر على التدخل بعد تحريكها من طرف النيابة العامة عند التماسها من قاضي التحقيق البحث في وقائع معينة، أن يؤكد تدخله بإيداع مذكرة مرفقة بصورة لوصل أداء الرسم الجزافي المنصوص عليه في المادة 50 من ظهير 21/12/1986 المتعلق بتنظيم المصاريف القضائية، إما بكتابة الضبط أو أثناء الجلسة بين يدي الرئيس، وهذا ما ذهبت اليه محكمة الاستئناف بمراكش في قرارها المؤرخ في 15 مارس 1988 تحت رقم 1944 في الملف الجنحي عدد 1406/87 بقولها:" على المحكمة الابتدائية أن تنذر المطالب بالحق المدني لإيداع المبلغ الجزافي المترتب عن مطالبه المدنية".

  وهو ما أكدته محكمة النقض في قرار لها عدد 2142 الصادر بتاريخ 10/03/1983 على أنه:" يلزم المطالب بالحق المدني إيداع المبلغ الجزافي المحدد قانونا وإلا اعتبر طلبه غير مقبول".

   زد على ذلك يجب على المطالب بالحق المدني أن يحدد مطالبه الأساسية ومبلغ التعويض المطلوب، طبقا لمقتضيات المادة 349 من ق.م.ج، ما لم يكن محصلا على المساعدة القضائية، وكل إهمال منه في تقديم المذكرة أمام المحكمة المحالة عليها القضية ينزل منزلة التنازل عن المطالب المدنية.

  نفس التوجه ذهبت فيه محكمة النقض، إذ أكدت على أن:" المطالب بالحق المدني في قضية حركت المتبعة فيها النيابة العامة، والمتمتع بالمساعدة القضائية، لا يكون ملزما بإيداع القسط الجزافي المحدد في الفصل 50 من نفس الظهير".

رابعا: ومن الآثار المترتبة عن تقديم الطرف المدني لشكايته أمام قاضي التحقيق وفق مقتضيات المادة 93 من قانون المسطرة الجنائية إصدار أمر من قاضي التحقيق بتبليغ شكاية إلى وكيل الملك أو الوكيل العام للملك لتقديم ملتسماته، ولا يمكن للنيابة العامة أن ترفع الى قاضي التحقيق التماسات تقضي بعدم اجراء تحقيق، إلا اذا كانت هناك أسباب تمس الدعوى العمومية نفسها كأن تكون أفعالا لا يسوغ المتابعة من أجلها، أو اذا كانت الوقائع لا تقبل أي تكييف حتى لو افترض وجودها أو لم تكن الجريمة من النوع القابل للتحقيق.

  وعليه فدور المتضرر في تحريك الدعوى العمومية أمام قضاء التحقيق يتساوى مع دور النيابة العامة في هذا الصدد، فهو يحركها ولو ضد رغبة النيابة العامة أو رغم اهمالها...، وذلك طبقا لمقتضيات المادة 93 من ق،م،ج.

الفقرة الثانية: شكليات المطالبة أمام قضاء الحكم

      تختلف إجراءات وشكليات المطالبة أمام قضاء الحكم حسب الفرضيات التالية:

أولا: المتضرر الذي سبق له أن تنصب طرفا مدنيا أمام قاضي التحقيق

    المطالب بالحق المدني الذي سبق له أن طالب بالتعويض عن الأضرار الناجمة عن الجريمة، سواء اقتصر في تدخله على طلب التعويض أم حرك الدعوى العمومية بذلك، وفي كلا الحالتين فعندما تحال القضية على المحكمة المختصة ويستدعى الطرف المدني طبقا لما تنص عليه المادة 308 من ق.م.ج، حيث أحالت على طرق التبليغ المنصوص عليها في الفصول 37 و 38 و 39 من قانون المسطرة المدنية، وعدم استدعاء المحكمة للمطالب بالحق المدني يشكل مساسا بحقوق، كما أكدت على ذلك محكمة النقض في قرارها رقم 1464 بتاريخ 16/02/1986 الذي جاء فيه:" أن عدم استدعاء المحكمة للمطالب بالحق المدني بوصفه طرفا مستأنفا عليه ليتأتى له تقديم ملتمساته طبقا للنصوص الإجرائية المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية يشكل مساسا بحقوق الدفاع، وبالتالي فإن اخلال المحكمة بهذا الاجراء يجعل قرارها معرضا للنقض".

    وعليه بالإضافة الى ذلك، وكما سبقت الإشارة الى الشروط المنصوص عليها في المادة 349 من ق.م.ج، يستلزم على المطالب بالحق المدني ذكر نوع الضرر وأسانيده وما يجبره حتى يتيسر للمحكمة تقدير التعويض الملائم من جهة، ويتسنى لصندوق المحكمة من جهة أخرى فرض الوجيبة القضائية التي ترتبط بمبلغ التعويض المطلوب، وتسليم وصل بذلك ليقدم للمحكمة عند طلبه، وإلا كان غير مقبول ما لم يثبت تمتعه بالمساعدة القضائية.

ثانيا: المطالب بالحق المدني هو الذي يحرك الدعوى العمومية أمام المحكمة الزجرية بمطالبته

     في هذه الحالة لابد للمتضرر من الجريمة أن يودع مذكرة لدى كتابة ضبط المحكمة الزجرية التي ستنظر الدعوى يبين فيها الأضرار الحاصلة له والمبلغ الذي يطلبه جبرا لها، وكل ما يكون مؤيدا لدعواه، وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا)، في قرار لها بأنه:" لا يكفي لتحريك الدعوى العمومية أن يقدم المتضرر شكاية يبين فيها وقائع الفعل الاجرامي، بل يجب عليه أن يعبر عن رغبته في المطالبة بالحق المدني ويحدد مبلغ التعويض عن الضرر الذي حصل له.

   لما تبين أن المشتكية لم تنصب نفسها كمطالب بالحق المدني بتحديد مبلغ التعويض، ولا هي طالبت من المحكمة أن تقضي لها باسترجاع ما سرق منها، فالشكاية التي تكون قد قدمتها تكون غير ذات أثر ويكون الحكم الذي بني عليها باطلا".

  وفي حالة عدم استفادة الطرف المدني بالمساعدة القضائية، عليه أداء الرسوم والمصاريف القضائية عملا بالفصول 50 و 51 و 54 من الظهير السالف الذكر المتعلق بالصوائر الجنائية.

  وتجدر الإشارة أن المتضرر الذي لا يقطن في نفوذ دائرة المحكمة التي رفع اليها طلب التعويض، عليه أن يعين موطنا مختارا والا فلا يعتد باحتجاجه بعدم تبليغه الإجراءات التي كان يتعين تبليغها له وفق نصوص القانون، طبقا للمادة 96 و 350 من قانون المسطرة الجنائية، وهو ما نصت عليه المادة 79 من قانون الإجراءات الجنائية المصري.

ثالثا: المطالب بالحق المدني يتدخل في الدعوى الرائجة أمام القضاء الزجري التي حركتها النيابة العامة

      عملا بمقتضيات المادة 350 من ق.م.ج فإنه إذا كانت النيابة العامة هي التي حركت الدعوى العمومية، فعلى المتضرر الاخيار بين تقديم مذكرة بمطالبه المدنية إما لدى كتابة الضبط أو بين يدي الرئيس أو يكفي ببسطها شفويا أمام المحكمة والتي يقوم كاتب الضبط ( كاتب الجلسة) بتدوينها في محضر الجلسة. ويكون هذا الحق مخولا له في سائر أطوار المحاكمة لغاية ختم المناقشات الجارية في القضية، شريطة مراعاة الفقرة الثانية من المادة أعلاه التي منعت كل شخص استمع اليه أمام المحكمة بصفته شاهدا بعد أدائه لليمين القانونية الانتصاب أمامها طرفا مطالبا بالتعويضات المدنية.

  كما يلزم أن يتدخل المطالب بالحق المدني أثناء سريان الدعوى العمومية، أما إذا كان تدخله لاحقا لها أي بعد انتهاءها أو انقضاءها لسبب من الأسباب، فإن المحكمة والحالة هذه تكون غير مختصة بالنظر في الدعوى المدنية.

  وفي حالة تصريح المحكمة الزجرية لعدم اختصاصها في الدعوى المدنية، فإنه يتوجب عليها أن تبين في الحكم الأفعال المكونة للجريمة والتي تسمح بمنح التعويض.

خاتمة:

         لما كان الأصل أن القضاء المدني هو المختص بالنظر في الدعوى بالنظر في المطالب المتعلقة بجبر الأضرار الخاصة اللاحقة بالمتضررين، فإن المشرع المغربي خرج عن المبدأ السالف الذكر، حيث سمح استثناء لهؤلاء بإقامة المطالبة عن تعويض الأضرار الناجمة مباشرة عن الجريمة أمام القضاء الجنائي الذي نظر في الدعوى الزجرية الناجمة عن الجريمة، وذلك خروجا عن الأصل السابق، ولذلك سميت هذه الدعوى بالدعوى المدنية التابعة والتي تقام تبعا لدعوى عمومية قائمة، ضد المدعى عليه وذلك من أجل المطالبة بالتعويض لجبر الضرر الذي تسبب فيه الفعل الجرمي.

     هذا وختاما وكما هو معروف عرفا وقانونا أن لكل قاعدة استثناء، وبناء على ما ذكر أعطى المشرع المغربي للمتضرر الحق في أن يقيم دعواه للمطالبة بالتعويض سواء أمام القضاء الجنائي أو أمام القضاء المدني.

إضافات:

لكل غاية مفيدة

         بعد أن تحدثنا في المطالب السابقة على موضوع الدعوى المدنية التابعة واختصاص القضاء الجنائي بها، سنحاول في هذه النقطية كإضافة علمية لهذا البحث المتواضع، أن نبحث في بعض القواعد الجوهرية الواجب ذكرها في هذا الصدد، ويتعلق الأمر بقاعدة الجنائي يوقف المدني وقاعدة الجنائي يعقل المدني، وذلك من خلال النقاط التالية:

  أولا: قاعدة الجنائي يعقل المدني

      أساس هذه القاعدة هو نص المادة 10 من قانون المسطرة الجنائية والتي تقضي أنه في حالت أثيرت الدعوى العمومية وكانت الدعوى المدنية مرفوعة أمام المحكمة المدنية ولم يتم البث فيها نهائيا، وجب وقفها الى حين البث النهائي في الدعوى العمومية، وعليه سنحاول مناقشة هذه القاعدة من خلال التعرف على أساسها وبيان شروط اعمالها.

أساس قاعدة الجنائي يعقل المدني

اختلف الفقهاء على أساس هذه القاعدة، فيرى جانب من الفقه بأنها وجدت لضمان حرية الدفاع، وذلك لأن الدعويين إذا تم رفعهما في وقت واحد أمام القضائيين الجنائي والمدني، فإنه يتعذر على الشخص المدعى عليه أن يباشر حقه في الدفاع على الوجه الأكمل ففي ذلك ارهاق له، وهذه النظرية تعرضت لمجموعة من الانتقادات، في حين يرى جانب آخر من الفقه الى أن هذه القاعدة الهدف منها منع القاضي الجنائي من التأثر بالحكم المدني، فحسب هذا الرأي فالمشرع سن هذه القاعدة من اجل عدم تأثر القاضي وهو يفصل في الدعوى الجنائية بالحكم المدني الصادر بالتعويض عن الفعل موضوع المحاكمة الجنائية.

شروط إعمال قاعدة المدني يعقل الجنائي

من الشروط الواجب توافرها لاعمال قاعدة المدني يعقل الجنائي نذكر:

ضرورة أن تكون الدعوى العمومية قد أقيمت فعلا قبل الدعوى المدنية: والمقصود بذلك أن تكون الدعوى العمومية جارية أمام المحكمة الزجرية سواء كانت قد أقيمت قبل طرح الدعوى المدنية على القضاء، أو بعد طرحها عليه، سواء كان القضاء الجنائي قضاء حكم قضاء التحقيق، وسواء كانت قد حركت من طرف النيابة العامة أو من طرف المتضرر.

وهذا ما أكدته محكمة النقض في قرار لها، والتي قضت فيه بأن:" ...، إذا كانت هناك دعويان رائجتان لنفس النزاع أمام المحكمة الزجرية والمحكمة المدنية، فإنه يلزم أن يوقف البث في هذه الأخيرة، شرط أن تكون هناك فعلا دعوى عمومية قائمة...".

يجب أن تكون الدعويين ناشئتين عن واقعة واحدة: والمقصود بوحدة الواقعة هي وحدة الواقعة الاجرامية التي تؤسس عليها الدعوى المدنية التي تكون تابعة للدعوى العمومية، ومن هذا المنطلق يستفاد أنه لاعمال القاعدة أعلاه يجب أن تكون الدعويين ناشئتين عن واقعة واحدة وبالتالي على نفس الجريمة...

وهذا ما أدته محكمة النقض ( المجلس الأعلى سابق) في قرار لها والذي جاء فيه ما يلي:" حجية الأحكام الجنائية أمام المحاكم المدنية، لاعمالها لابد من اتحاد سبب الدعويين وأطرافهما".

  وفي قرار آخر قضت محكمة النقض بأن:" قاعدة الجنائي يعقل المدني تقتضي وحدة الموضوع في الدعويين، وأن يكون البث في الدعوى المدنية متوقفا على البث في الدعوى الجنائية، بحيث يكون ما تبث من جرمي دليلا حاسما في البث في الدعوى المدنية".

   ثانيا: قاعدة الجنائي يقيد المدني

        مفاد هذه القاعدة هو تقييد القاضي المدني بما انتهى اليه الحكم الجنائي، وتبقى للقاضي المدني سلطة في باقي الأفعال التي لا تعتبر جرائم والتي لم يتناولها القضاء الزجري.

أساس قاعدة الجنائي يقيد المدني

بالرجوع الى المقتضيات الجنائية نجد المشرع المغربي لم يقم بتنظيم حجية الأحكام الجنائية أمام القضاء المدني، وهذا بخلاف قاعدة الجنائي يعقل المدني، التي تم تنظيمها في المادة 10 من قانون المسطرة الجنائية.

  ولهذا فالظاهر أن هذه القاعدة لم يقع التنصيص عليها تشريعيا، وانما كرسها الاجتهاد القضائي، والدليل على ذلك مجموعة من القرارات القضائية الصادرة عن القضاء المغربي ونذكر من بينها، قرار لحكمة النقض ( المجلس الأعلى سابقا)، الصادر بتاريخ 7/6/1978 تحت عدد 441 في الملف المدني عدد 58495، والذي جاء فيه:" إذا كان القضاء المدني يتقيد بأحكام القضاء الجنائي في حدود ما فصلت فيه هذه الأحكام بالنسبة للفعل الجنائي ووصفه إثباتا أو نفيا، فإن ذلك لا يمنع المحكمة المدنية من أن تتخذ ما تراه بالنسبة للمسئولية المدنية وتحمل المتضرر من الجريمة جزء من المسؤولية بسبب ارتكابه خطأ في وقوع الضرر".

شروط قاعدة الجنائي يقيد المدني

لابد لإعمال قاعدة الجنائي يقيد المدني من توفر الشروط التالية:

يجب أن يكون الحكم الصادر عن القضاء الجنائي نهائيا، وهذا ما أكده الاجتهاد القضائي، ففي قرار صادر عن محكمة النقض ( المجلس الأعلى سابق) والذي جاء فيه بأنه:" يشترط لاكتساب الأحكام الجنائية حجيتها أمام القضاء المدني أنتكون نهائية...".

وقد أكدت محكمة النقض أن هذا الشرط متعلق بالنظام العام، حيث قضت في قرار لها بأن:" البث النهائي الوارد في المادة 10 من قانون المسطرة الجنائية المتعلق بالنظام العام هو أن يبث القضاء الجنائي في الدعوى العمومية بصورة مبرمة وأن يصبح الحكم الحائز لقوة الشيء المحكوم به...".

يجب أن يكون هذا الحكم صادر عن قضاء الحكم، لا عن قضاة التحقيق، فقرارات قاضي التحقيق لا تأخذ حجة على الدعوى المدنية المقامة أمام القضاء المدني.

وحدة الواقعة الاجرامية كأهم شرط.

لائحة المراجع:

فايز السيد اللمساوي وأشرف فايز اللمساوي، الادعاء المدني أمام القضاء الجنائي، ط1 س 2009.

لطيفة الداودي، دراسة في قانون المسطرة الجنائية وفق آخر التعديلات، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، الطبعة الخامسة، 2012.

عبد الواحد العلمي، شرح في قانون المسطرة الجنائية، الجزء الأول، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة السادسة، 2016.

عمر الموريف، إجراءات التقاضي في الدعوى المدنية التابعة – دراسة فقهية قضائية مقارنة، مجلة الممارس للدراسات القانونية والقضائية، عدد خاص 2، 2019

الحسين بيكاس، تلخيص في مادة قانون المسطرة الجنائية.

وزارة العدل المغربية، شرح قانون المسطرة الجنائية، ج1 ،منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، العدد 6 ،أبريل 2007.

- شرح قانون المسطرة الجنائية لوزارة العدل، الجزء الأول، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية – سلسلة الشروح والدلائل، الطبعة الثالثة، العدد 2، سنة 2004.

- أحمد المهدي وأشرف شافعى : إجراءات الادعاء المباشر والآثار المترتبة على تحريك الدعوى المباشرة، ط 2010.

محمود نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1988.

APPLE VISION PRO

"Get ready to dive into new worlds and
amazing experiences with the pioneering
Apple Vision Pro competition! Join now for
an unmissable opportunity to stand out and
discover your skills and innovations in the
world of virtual reality. Join us and be part
of this exciting journey!"

التنقل السريع