القائمة الرئيسية

الصفحات

طرق إقامة الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة



طرق إقامة الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة



  • تقديم عام للموضوع

         يترتب على وقوع الجريمة حقين أساسين، حق يتولد للدولة في توقيع الجزاء الجنائي على مرتكب الفعل الجرمي عن طريق الدعوى العمومية، وحق يؤول الى المتضرر (الضحية) في اقتضاء التعويض المناسب جبرا للضرر الذي تسببت فيه الجريمة ويكون ذلك عن طريق الدعوى المدنية التابعة.

    فقواعد القانون الجنائي باعتباره قانون موضوعي تظل في حالة جمود وسكون إلى أن تخرق، حينها يأتي دور قانون المسطرة الجنائية باعتباره حلقة وصل بين ارتكاب الجريمة وتوقيع العقاب على مرتكبيها، ومن هنا تأتي أهمية قانون المسطرة الجنائية باعتباره قانون اجرائي ينظم سلطة الدولة وأجهزتها في الاعتقال والمتابعة والمحاكمة والعقاب، كما يحدد القواعد المتعين تطبيقها في جميع الإجراءات القضائية التي تعقب ارتكاب الجريمة.

    وتعتبر النيابة العامة السلطة التي أوكل اليها المشرع في قانون المسطرة الجنائية مهمة تحريك الدعوى العمومية ومتابعتها في جميع مراحل الخصومة الجنائية باعتبارها الطرف الرئيسي والأساسي والأصلي الذي يملك حق المطالبة بتوقيع الجزاء على مرتكبي الجرائم باسم المجتمع الذي تنوب عنه في توقع الجزاء الجنائي، كما أناط المشرع بهذا الجهاز مجموعة من الوظائف الأساسية ترجع بالدرجة الأولى الى مكافحة الظواهر الاجرامية المختلفة.

    وهذه الوظائف تتم ممارستها عبر جملة من الإجراءات المسطرية التي تنظم كيفية تحريك الدعوى العمومية، وهذه المساطر والإجراءات القضائية تشكل أولى لبنات المحاكمة العادلة، الشيء الذي جعل النيابة العامة كمؤسسة قضائية تقوم بأدوار مركزية في تطبيق وتنزيل المقتضيات القانونية عن طريق مجموعة من الإجراءات والمساطر التي سنتعرف عليها في هذا المقال المتواضع.

   وبناء على ما سبق سنحاول أن نتطرق الى طرق إقامة الدعوى العمومية من طرف وكيل الملك (المطلب الأول)، على أن نخصص (المطلب الثاني) لطرق إقامة الدعوى العمومية من طرف الوكيل العام للملك.

المطلب الأول: ممارسة الدعوى العمومية من طرف وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية

     يختص وكيل الملك بإقامة الدعوى العمومية وممارستها في المخالفات والجنح، إلا ما استثني بنص القانون، ويختص وكيل الملك بإقامة الدعوى إذا كانت الجريمة قد ارتكبت بدائرة نفوذه، أو كان أحد المشتبه فيهم بارتكابها يقيم بدائرته، أو إذا تم القاء القبض على أحد هؤلاء بدائرة نفوده، حسب ما تقضي به المادة 44 من قانون المسطرة الجنائية.

   وعليه سنقسم هذا المطلب الى شقين، نعالج في الشق الأول طرق ممارسة الدعوى العمومية من طرف وكيل الملك في المخالفات (الفقرة الأولى)، لنخصص الشق الثاني للحديث عن ممارسة الدعوى العمومية من طرف وكيل الملك في الجنح (الفقرة الثانية).





الفقرة الأولى: ممارسة الدعوى العمومية في المخالفات

    تقام الدعوى العمومية في المخالفات عبر السند التنفيذي (أولا)، أو الاستدعاء بالجلسة (ثانيا).

أولا: السند التنفيذي في المخالفات

 يتم اللجوء الى هذه المسطرة كلما تعلق الأمر بمخالفة يعاقب عليها القانون بغرامة فقط، ويكون ارتكابها تابت بمقتضى تقرير أو محضر ولا يظهر فيها متضرر أو ضحية. 

 وتكمن فلسفته الإجرائية (السند التنفيذي) أنه منح للنيابات العامة على سبيل الجواز في سائر الأحوال التي ترتكب فيها مخالفة، أن تقترح على المخالف بمقتضى سند قابل للتنفيذ أداء غرامة جزافية تبلغ نصف الحد الأقصى للغرامة المنصوص عليها قانونا.

يتضمن هذه السند تاريخ صدوره وإمضاء قاضي النيابة العامة والاسم الشخصي والعائلي للمخالف ومهنته ومحل سكناه ورقم بطاقة تعريفه ونفس المعلومات بالنسبة للمسؤول عن الحقوق المدنية عند الاقتضاء، ونوع المخالفة ومكان وتاريخ ارتكابها ووسائل إثباتها والنصوص المنظمة لها ومبلغ الغرامة مع الإشارة لأدائها بصندوق كتابة ضبط أي محكمة ابتدائية.

 ويبلغ السند التنفيذي للمخالف أو المسؤول عن الحقوق المدنية برسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل أو باستدعاء يبلغه عون التبليغ أو مفوض قضائي أو بالطريقة الإدارية، وله أن يسدد ما بذمته بكتابة ضبط أي محكمة ابتدائية التي تتولى إشعار النيابة العامة مصدرة السند التنفيذي في أجل سبعة ايام من الأداء.

  وله أن يعبر عن امتناعه عن الأداء في أجل عشرة أيام من التوصل بالتبليغ وإلا اعتبر السند التنفيذي نهائيا، ويسلم كاتب الضبط نسخة منه للجهة المكلفة بتنفيذ الغرامات، ويعبر عن الرفض بتصريح في رسالة التبليغ ويعاد إرسالها لوكيل الملك عبر البريد المضمون مع الاشعار بالتوصل، وتحال المخالفة على المحكمة وفقا للمقتضيات المشار اليها في المواد 375 الى 382 من قانون المسطرة الجنائية.

 فإن قررت الإدانة فلا يمكن أن تقل الغرامة المحكوم بها عن ثلثي الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا، والحكم الصادر يقبل الطعن بالنقض فقط دون التعرض والاستئناف.

   ولقد طرح السند التنفيذي في المخالفات مجموعة من الإشكالات عند التطبيق، تتمثل في صدوره عن جهة غير مختصة في إصدار الأحكام، مما يجعل جدواه غير ذي أهمية سيما بعد إحالته على قسم التنفيذ الزجري وسلوك مسطرة الاكراه البدني، حيث يتعذر اللجوء الى هذه المسطرة لعدم إذن قاضي تطبيق العقوبات بممارستها في حق المكره بدعوى أن السند التنفيذي غير صادر عن هيئة الحكم مشكلة طبقا للقانون، بمعنى أنه ليس بمقرر قضائي.

  كما أن المشرع المغربي لم يشر الى مصير السند التنفيذي في المخالفات الذي لا يتم تبليغه عندما لا يتم العثور على المعني بالأمر بسبب كونه مجهولا أو عنوانه ناقص أو انتقل من العنوان، ناهيك على أن السند التنفيذي لا يتضمن مبلغ الصائر مما يجعل بعض النيابات تقوم باحتسابه، في حين لا تقوم أخرى باعتباره.

ثانيا: الاستدعاء للجلسة

  يوجه وكيل الملك الاستدعاء للمخالف لحضور الجلسة العلنية التي يبث فيها قاض منفرد في الموضوع، وهذه الطريقة هي الكيفية العادية لإقامة الدعوى العمومية في المخالفات، ويمكن تطبيقها حتى بالنسبة للمخالفات القابلة لتطبيق مسطرة السند القابل للتنفيذ، وبطبيعة الحال فإنها تعتبر الوسيلة الوحيدة لإقامة الدعوى العمومية في المخالفات الأخرى التي لا تتوفر فيها شروط مسطرة السند القابل للتنفيذ.

  كما يمكن أن تحال القضية على المحكمة بأشكال أخرى وفقا لما تنص عليه المادة 384 من قانون المسطرة الجنائية.

  ويتم تبليغ السند القابل للتنفيذ مرفقا برسالة التبليغ إلى المخالف أو المسؤول المدني إن اقتضى الحال مرفقا برسالة التبليغ بإحدى الطرق التالية:

  • رسالة مضمونة مع الاشعار بالتوصل

  • عن طريق عون التبليغ التابع للمحكمة

  • عن طريق مفوض قضائي

  • عن طريقة الجهة الإدارية

  ففي حالة قبل المعني بالأمر باقتراح النيابة العامة يمكنه أداء مبلغ الغرامة الجزافية بصندوق المحكمة المصدرة للسند أو في صندوق أي محكمة ابتدائية، حيث تقوم هذه الأخيرة بتبليغ النيابة العامة مصدرة السند القابل للتنفيذ داخل أجل أسبوع من تاريخ الأداء، كما تنص على ذلك مقتضيات الفصل 379 من ق.م.ج.

  وفي حالة التعبير عن الرغبة في عدم الأداء تحال القضية على المحكمة للبث فيها وفق المسطرة العادية، فإذا قررت المحكمة ادانة المتهم وجب ألا تقل الغرامة عن ثلثي الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا للمخالفة.

  والجدير بالذكر أن الأمر القضائي الذي تقرره المحكمة لا يقبل الطعن بالتعرض والاستئناف، إذ لا يمكن الطعن فيه الا بالنقض.

الفقرة الثانية: طرق ممارسة الدعوى العمومية في الجنح

   تتخذ مسطرة ممارسة الدعوى العمومية في الجنح طابعا إجرائيا آخر تختلف تمظهراته حسب الطبيعة القانونية للجنحة ونوعيتها، إذ تقام إما بالاستدعاء المباشر (أولا)، أو بواسطة الإحالة الفورية على المحكمة (ثانيا)، أو عن طريق المطالبة بإجراء تحقيق إذا كانت الجريمة المرتكبة تقبل التحقيق (ثالثا)، أو بواسطة ملتمس يرمي لاستصدار أمر قضائي في غيبة المعني بالأمر (رابعا).

أولا: الاستدعاء للجلسة

    يوجه وكيل الملك الاستدعاء للمتهم للحضور للجلسة وفقا لمقتضيات المادة 308 من قانون المسطرة الجنائية وما يليها، ويستدعي في نفس الوقت المسؤول عن الحقوق المدنية إن وجد.

  فالاستدعاء هو الذي يحرك الدعوى العمومية في هذه الحالة، وأما ما اعتاد بعض أعضاء النيابة العامة تدوينه على هامش المحضر مثل "متابعة فلان من أجل جنحة السكر البين واستدعائه لجلسة كذا"، فلا يمكن اعتباره سوى تعليمات يصدرها قاضي النيابة العامة لمساعديه ( كتاب النيابة العامة)، من أجل تحرير استدعاء وفقا لمقتضيات المادتين 308 و 309 من ق.م.ج، ويتعين على قاضي النيابة العامة الامضاء على النسخة الأصلية للاستدعاء، وتبلغ نسخة مطابقة الأصل الى المعني بالأمر.

   والاستدعاء هو الطريقة الأصلية لإقامة الدعوى العمومية، أما باقي الطرق فهي استثناء.

  هذا وينبغي أن نشير في هذا المقام الى أن الاستدعاء للجلسة يمكن تصوره في حالتين:

الحالة الأولى: في الجنح والمخالفات العادية، وهي تلك التي يجري بشأنها بحثا عاديا دون توجيه تعليمات من طرف النيابة العامة بالتقديم أو بالوضع تحت تدابير الحراسة النظرية.

الحالة الثانية: هي الحالة التي ترتكب فيها جنح تستحق التقديم أو الوضع تدابير الحراسة النظرية، إما لخطورتها أو لأسباب تستدعيها طبيعة البحث وهي ما يطلق عليها الفقه حالات التلبس.

   ففي الحالة الأولى وهي الأكثر شيوعا يتم توجيه الاستدعاء إلى المتهم بعد إعمال سلطة الملائمة والتي يوقعها وكيل الملك أو من ينوب عنه، وتكون مرفقة بشهادة التسليم التي يتم توقيعها من طرف رئيس مصلحة النيابة العامة أو من ينوب عنه، وتحال القضية على المحكمة للبث فيها في جلسة علنية تحدد النيابة العامة تاريخها.

       ويتم تبليغ الاستدعاء طبقا لمقتضيات الفصول 37 و 38 و 39 من قانون المسطرة المدنية.

     أما في الحالة الثانية فيتم إخبار المتهم بالاستدعاء عند تقديمه أمام أنظار وكيل الملك، في حالة ما إذا ارتأى متابعته في حالة سراح، ويتم استدعائه بعد استنطاقه واتخاذ قرار بإطلاق سراحه.

   ويجب التأكيد على أنه لابد أن يتم ارفاق الاستدعاء بشهادة التسليم باعتبارها وسيلة قانونية وإجرائية تفيد توصل المتهم بالاستدعاء، ويتم ارجاعها للمحكمة لضمها إلى وثائق الملف وتجهير القضية للبث فيها.

  ومعلوم أنه يترتب على المقتضيات أعلاه عدة آثار نذكر منها:

  •  إذا توصل المتهم وحضر يصدر الحكم في حقه حضوريا، ويثبت له حق الطعن في الحكم بالاستئناف داخل 10 أيام، وانصرام هذا الأجل يصبح الحكم الجنحي نهائيا حائز لقوة الشيء المقضي به.

  •  إذا توصل ولم يحضر أصدرت المحكمة الحكم في حقه بمثابة حضوري، نفس الشيء بالنسبة لهذا الحكم يثبت له حق الطعن في الحكم بالاستئناف داخل 10 أيام، وانصرام هذا الأجل يصبح الحكم الجنحي نهائيا حائز لقوة الشيء المقضي به.

  • إذا لم يتوصل ولم يحضر تصدر المحكمة الحكم في حقه غيابيا، ويثبت له حق الطعن بالتعرض داخل أجل 10 أيام من تاريخ التوصل وإلا فإن بانصرام الأجل يصبح الحكم نهائيا.

  • وتعتبر شهادة التسليم الوسيلة الوحيدة التي يتم اعتمادها في معرفة توصل المتهم من عدمه، وفي احتساب الآجال القانونية للطعن بالتعرض والاستئناف.

ثانيا: الإحالة الفورية على الجلسة

  •      طبقا لمقتضيات المادة 74 من قانون المسطرة الجنائية يتم تقديم المتهم الى الجلسة فورا، وفي كل الأحوال داخل أجل ثلاثة أيام دون سابق استدعاء، بعد استنطاقه من طرف وكيل الملك أو نائبه.

  •     وتطبيق هذه المسطرة لا يكون متاحا إلا إذا كان المتهم ماثلا أمام النيابة العامة، ونظرا لكون هذا الاجراء يرتبط بالأشخاص المقدمين ويتسم بطابع الفورية، يتحتم اتخاذ قرار في يومه بخصوص المساطر المعروضة على وكيل الملك والذي يتجلى في:

  • ارجاع المسطرة لتعميق البحث مع البث في وضعية الوضع تحت تدابير الحراسة النظرية.

  • متابعة المتهم في حالة سراح مقابل كفالة مالية أو شخصية.

  • اعتقال المعني بالأمر وايداعه في السجن بعد اشعاره بحقه في تنصيب محام حالا واستنطاقه عن هويته وعن الأفعال المنسوبة اليه.

  • حفظ المسطرة.

  • الإحالة للاختصاص.

     وبالرجوع الى مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 74 من ق،م،ج يتبين أن الخيارات المتاحة لوكيل الملك هي مجرد إمكانية متاحة له إذا تعلق الأمر بتطبيق مسطرة التلبس أو في حالة انعدام ضمانات الحضور، وما دامت المادة أعلاه أعطت لوكيل الملك الخيار فبديهي أن يعدل هذا الأخير عن تطبيق هذه الخيارات أعلاه إلى الخيار الأصلي وهو المتابعة بواسطة الاستدعاء، شريطة احترام الآجال المرتبطة بذلك.

   هذا من جهة، ومن جهة أخرى يلاحظ أنه إذا كانت المادة 74 من ق.م.ج تتيح لوكيل الملك إمكانية اعتقال المتهم في حالتين هما: حالة التلبس بجنحة، وحالة انعدام ضمانات الحضور لدى المتهم، فإن المادة 47 من نفس القانون نصت على تطبيق المسطرة المذكورة في حالات أخرى بالإضافة الى حالة التلبس بالجنحة، وهذه الحالات تقسم الى مجموعتين: وينبغي أن يتوفر شرط من المجموعة الأولى، وشرط من المجموعة الثانية على الأقل، لإمكانية تطبيق مسطرة الإحالة الفورية.

  تتضمن المجموعة الأولى الشروط التالية:

  • اعتراف المشتبه فيه بالأفعال المكونة لجريمة يعاقب عليها بالحبس.

  • أو ظهور معالم أو أدلة قوية على ارتكابه لها.

وتتضمن المجموعة الثانية الشروط التالية:

  • لا تتوفر في المتهم ضمانات الحضور.

  • أو يظهر أنه خطير على النظام العام.

  • أو يظهر أنه خطير على سلامة الأشخاص أو الأموال.

     وهكذا ينبغي إذا لم تتوفر حالة التلبس، أن يتحقق شرط من المجموعة الأولى وشرط من المجموعة الثانية على الأقل لسلوك مسطرة الإحالة الفورية المنصوص عليها في المادة 74 من ق.م.ج.

     والجدير بالذكر أن الأمر يتعلق بمفاهيم واسعة ينبغي الحرص على تأويلها في أضيق الحدود، فضمانة الحضور مثلا يجب أن يراعي فيها قاضي النيابة العامة في تقديرها مدى تأثير الافراج عن المشتبه فيه على سلامة سير العدالة، وأن تراعى في تقديرها الضمانات العينية والشخصية المتوفرة لدى المشتبه فيه، وكذلك بالنسبة للخطورة على النظام العام أو على سلامة الأشخاص أو سلامة الأموال، فيجب استحضار كذلك الظروف المكانية والزمانية للحدث، وما إذا كان الافراج عن المشتبه فيه سيشكل بالفعل خطورة على الأمن، أو يشكل تهديدا لسلامة الأشخاص، ويرتبط الأمر بالحرص اللازم على تفعيل قرينة البراءة، واعتبار الاعتقال الاحتياطي استثناء ينبغي تطبيقه في أضيق الحدود.

ثالثا: المطالبة بإجراء تحقيق

     في هذا الصدد أحدث المشرع المغربي بمقتضى قانون المسطرة الجنائية نظام التحقيق بالمحاكم الابتدائية في بعض الجنح التأديبية، الهدف من وراء ذلك تعميق الأبحاث التمهيدية وتدقيق الأدلة وتمحيصها.

  وكتوضيح لما سبق، فلوكيل الملك أن يلتمس إجراء تحقيق إذا كان الحد الأقصى للعقوبة المقررة للجنحة هو خمس سنوات أو أكثر، أو إذا تعلق الأمر بجنحة ارتكبها حدث يقل سنه عن 18 سنة كيفما كانت العقوبة المقررة لتلك الجنحة.

  ويمكن رصد الصلاحيات التي يتوفر عليها وكيل الملك نحو قاضي التحقيق، فيما يلي:

  • لا يمكن مباشرة التحقيق إلا بناء على ملتمس النيابة العامة ولو كان قاضي التحقيق يقوم بالمهام المخولة له في حالة تلبس.

  • يمكن للنيابة العامة أن تقوم بأي إجراء تراه مفيدا لأجل إظهار الحقيقة وبأي إجراء قد تراه ضروريا.

  • أن قاضي التحقيق يأمر بتبليغ الشكاية إلى وكيل الملك لأجل تقديم ملتمساته.

  • إشعار وكيل الملك بإجراءات المعاينات والتفتيش التي يقوم بها قاضي التحقيق.

  • للنيابة العامة الطعن ببطلان إجراءات التحقيق أمام الغرفة الجنحية.

  • للنيابة العامة الإدلاء بملتمساتها بشأن انتهاء التحقيق.

  • والتحقيق في الجنح كما هو معلوم قد يكون إلزاميا وقد يكون اختياريا، وينصب على مجموعة من الجرائم تختلف حسب نوعيتها وظروف ارتكابها، وحسب مرتكبيها بين الرشداء والأحداث.

  •   ينعقد التحقيق لقاضي التحقيق بناء على ملتمس النيابة العامة تتقدم به في الموضوع، غير أن المشرع ألزم وكيل الملك في المطالبة بإجراء تحقيق في نوع من الجنح بنص خاص وفي حوادث السير المميتة، وفي غيرها من الجنح التي يكون كما أسلفنا أعلاه الحد الأقصى لعقوبتها خمس سنوات، وهو ما يصطلح عليه بالجنح التأديبية.

  •   ويعتبر ملتمس المطالبة بإجراء تحقيق شكلا من أشكال تحريك الدعوى العمومية من طرف وكيل الملك، بتوجيهه (الملتمس) إلى قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية ويضمنه مستنتجاته ويحدد الأفعال الجرمية المنسوبة للمتهم وكذا الفصول المنظمة لهان وهو على نوعين: أصلي وإضافي.

رابعا: الأمر القضائي   في الجنح

      إذا تعلق الأمر بجنحة لا يعاقب عليها القانون سوى بغرامة فقط، وكان حدها الأقصى لا يتجاوز مبلغ 5000 درهم أو كان ارتكابها مثبتا في محضر أو تقرير ولا يظهر فيها متضرر، يمكن لوكيل الملك أن يتقدم بملتمس إلى القاضي من أجل إصدار أمر قضائي في غيبة المتهم ودون استدعائه، ولا يمكن أن تتجاوز الغرامة التي يحكم بها القاضي في هذه الحالة نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا للجنحة، بالإضافة الى المصاريف والعقوبات الإضافية، تطبيقا لمقتضيات المادة 383 من ق.م.ج.

   وعلى غرار السند التنفيذي في المخالفات يتم الأمر القضائي في الجنح للمتهم وللمسؤول المدني إن وجد وفق مقتضيات الفصول 37 و 38 من قانون المسطرة المدنية.

   ويقبل الأمر القضائي التعرض داخل أجل 10 أيام من تاريخ التبليغ، وإلا أصبح الأمر القضائي نهائيا، وإذا ما تم التعرض عليه داخل الأجل القانوني اعتبر كأن لم يكن.

   وتنظر المحكمة الابتدائية في التعرض بقاضي منفرد وبحضور ممثل النيابة العامة وبمساعدة كاتب الضبط، ويتم البت وفق قواعد المسطرة الحضورية، فإذا لم يحضر المتعرض أو لم يدل بما يبرر غيابه يتم الغاء بحكم التعرض علما أن الأحكام الصادرة عن المحاكم بعد التعرض تكون قابلة للاستئناف.
















المطلب الثاني: ممارسة الدعوى العمومية من طرف الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف

       خول القانون للوكيل العام للملك حق إقامة الدعوى العمومية وممارستها أمام محكمة الاستئناف في الجنايات والجرائم المرتبطة بها أو الغير القابلة للتجزئة عنها، سواء كانت جنحا أو مخالفات.

  ويقيم الوكيل العام للملك الدعوى العمومية ويمارسها طبقا لأحكام المواد 36 و 49 و 419 من قانون المسطرة الجنائية، وتتم المتابعة في الجنايات والجرائم المرتبطة بها أو الغير القابلة للتجزئة عنها إما بواسطة الإحالة المباشرة على المحكمة أو الاستدعاء للجلسة أو عن طريق الإحالة على قاضي التحقيق.

الفقرة الأولى: الإحالة الفورية أو المباشرة على الجلسة

   يقصد بالاحالة الفورية إحالة المتهم على غرفة الجنايات الابتدائية في حالة اعتقال احتياطي.

  وعليه تنص المادة 49 من ق.م.ج على أن الوكيل العام للملك ما يتخذه من إجراءات الى هيئات التحقيق أو هيئات الحكم المختصة.

 كما ويقضي البند الثاني من المادة 419 من نفس القانون أن القضية تحال على غرفة الجنايات بالإحالة الصادرة عن الوكيل العام للملك طبقا للمادتين 49 و 73.

  وتبعا للمادة 73 من ق.م.ج، فإن الاحالة المباشرة على غرفة الجنايات تكون ممكنة متى تعلق الأمر بجالة التلبس بجناية وفقا للمادة 56 من نفس القانون، إذا لم تكن الجريمة من الجرائم التي يكون التحقيق فيها الزاميا، وكانت القضية جاهزة للحكم.

  وتجري مسطرة الإحالة الفورية على الجلسة باستفسار المتهم أولا عن هويته واشعاره بحقه في تنصيب محام حالا، وإلا عين له تلقائيا من طرف رئيس غرفة الجنايات، واستنطاقه حول الأفعال المنسوبة إليه.

  وفي هذه الحالة إذا اتضح أن القضية جاهزة للحكم، فإن الوكيل العام للملك يصدر أمرا بإيداع المتهم في السجن وإحالته مباشرة على غرفة الجنايات داخل أجل 15 يوما على الأكثر.

 وإذا تعلق الأمر بجنحة مرتبطة بالجناية، فإن الوكيل العام للملك يمكنه أن يتابع المتهم في حالة سراح مقابل كفالة مالية أو شخصية.

  غير أن الإشكال الذي تثيره المادة 73 في الشق المتعلق بالجنح المرتبطة بالجناية والتي يمكن فيها للوكيل العام للملك أن يتابع فيها المتهم في حالة سراح مع تقديم كفالة مالية أو شخصية. فكيف للوكيل العام للملك أن يحيل المتهم مباشرة على غرفة الجنايات وهو في حالة سراح؟ علما أن المادة أعلاه واضحة لا لبس فيها، إذ تعطي للوكيل العام الحق في أن يأمر بإيداع المتهم رهن الاعتقال واحالته على غرفة الجنايات إذا كانت القضية جاهزة للحكم، ويلتمس تحقيق إذا ظهر له أن القضية غير جاهزة للحكم.

  وللجواب على الاشكال أعلاه يتضح لنا ومن خلال قراءة مقتضيات المادة 73 من ق.م.ج، أنه من غير الممكن للوكيل العام للملك إحالة المتهم مباشرة على غرفة الجنايات وتركه في حالة سراح.

  هذا بالإضافة إلى أن المشرع المغربي قيد من سلطة الوكيل العام للملك عند لجوئه للإعتقال والاحالة الفورية على غرفة الجنايات، وذلك باحترام الشروط التالية:

أن يتعلق الأمر بجناية متلبس بها طبقا للمادة 56 من ق.م.ج.

ألا تكون الجريمة من الجرائم التي يكون التحقيق فيها إلزاميا.

أن تكون القضية جاهزة للحكم.

أن لا تتوفر في المتهم ضمانات الحضور.

  والجدير بالذكر فإن المخالفات والجنح المرتبطة بالجناية أو غير القابلة للتجزئة عنها، تتم إحالتها بنفس الكيفية التي أشرنا إليها أعلاه، مع مراعاة المقتضيات المتعلقة بنوع الجريمة، إذ لا يمكن إيداع مرتكب المخالفة بالسجن، كما أن مرتكب الجنحة تطبق عليه المقتضيات المتعلقة بالمتابعة من أجل الجنح وهي كما أشرنا إليها سلفا.

الفقرة الثانية: الاستدعاء للجلسة

   تختلف مسطرة الاحالة الفورية على غرفة الجنايات عن استدعاء المتهم لهذه الغرفة، في كون الحالة الأولى يتابع فيها المتهم في حالة اعتقال احتياطي بعد اتخاذ أمر بإيداعه في السجن، في حين تكمن القيمة العلمية والقانونية للاستدعاء للجلسة في أن المتهم يعرض ويقدم للمحكمة وهو في حالة سراح مقابل كفالة مالية أو شخصية.

  والاستدعاء للجلسة في الجنايات كإجراء لا يختلف عن نظيره في الجنح من حيث طبيعة الاجراءات، مع ضرورة التمييز بين حالتين:

  • الحالة الأولى: التي يقدم فيها المتهم أمام أنظار الوكيل العام للملك، حيث يسلم فورا استدعاء بالحضور للجلسة التي تعينها النيابة العامة بعد توقيعه على شهادة التسليم، والتي تبقى ضمن وثائق الملف الأصلي، وتجري متابعته في حالة سراح.

  • الحالة الثانية: هي التي يقدم فيها المتهم أمام النيابة العامة، حيث يتم توجيه الاستدعاء اليه بالطرق المتداولة للتبليغ المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية مرفقة بشهادة التسليم.

   يستدعى في كافة الأحوال المتهم أو المسؤول المدني والطرف المدني إن وجد، طبقا لما هو منصوص عليه في المادة 308 و 309 من قانون المسطرة الجنائية، ويجب أن يتضمن الاستدعاء تحت طائلة البطلان ملخصا للوقائع والتكييف القانوني لها والمواد القانونية التي تعاقب عليها وفق ما تقضي به المادة 420 من ق.م.ج

   ويجب أن يفصل بين تاريخ الاستدعاء واليوم المحدد للحضور بالجلسة أجل ثمانية أيام علة الأقل تحت طائلة بطلان الاستدعاء والحكم، ويخفض هذا الأجل إلى خمسة أيام إذا تعلق الأمر بإحالة من الوكيل العام للملك.





الفقرة الثالثة: الإحالة على قاضي التحقيق

   من المعلوم كما أسلفنا أنه إذا لم يكن متاحا تطبيق مسطرة الاحالة الفورية على غرفة الجنايات، فإن الوكيل العام للملك يحيل القضية على السيد قاضي التحقيق بناء على ملتمس بإجراء تحقيق.

  وفي هذا الصدد يجب التمييز بين الحالة التي يكون التحقيق فيها إلزاميا أو اختياريا:

    فإذا كان التحقيق إلزاميا وفق ما تقضي به المادة 83 من قانون المسطرة الجنائية، تعين على الوكيل العام للملك المطالبة به ولو توفرت إمكانية الاحالة المباشرة وكان الأمر يتعلق بحالة التلبس بالجناية، لأنه والحالة هذه يستوجب إجراء تحقيق في كل حالة نص القانون على وجوب إجرائه ولو توفرت مساطر أخرى، إذ لا يبقى مجال لإجرائها.

  وينص القانون على كون التحقيق يكون إلزاميا في الحالات التالية:

       - في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد أو التي يصل الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها ثلاثين سنة؛

       - في الجنايات المرتكبة من طرف الأحداث؛

       - في الجنح بنص خاص في القانون.

يكون اختيارياً فيما عدا ذلك من الجنايات وفي الجنح المرتكبة من طرف الأحداث، وفي الجنح التي يكون الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها خمس سنوات أو أكثر.

   أما إذ ترك القانون الاختيار للوكيل العام للملك بشأن إجراء مسطرة التحقيق، فله أن يعدل عن سلوكه، ويتبع مسطرة الاحالة المباشرة إذا توفرت شروطها، وهي كما أسلفناها توفر حالة التلبس وكون القضية جاهزة للحكم، وإلا فإنه يكون مطالبا بالتماس إجراء تحقيق. 




APPLE VISION PRO

"Get ready to dive into new worlds and
amazing experiences with the pioneering
Apple Vision Pro competition! Join now for
an unmissable opportunity to stand out and
discover your skills and innovations in the
world of virtual reality. Join us and be part
of this exciting journey!"

التنقل السريع