محاضر الشرطة القضائية وإشكالية التوقيع.
.
تعد محاضر الشرطة القضائية من أهم وسائل الإثبات في المواد الجنائية لما تحتويه من اعترافات وعمليات تفتيش ووقائع وشهادات وأقوال
يكشف للقاضي الجزائي غموض القضية المعروضة عليه لتكوين قناعته الشخصية بناءً على السلطة التقديرية التي يتمتع بها في إصدار الأحكام المقابلة لها سواء بالبراءة أو الإدانة.
وتتجلى أهميته -الملف- أكثر في أنه يشكل نقطة الانطلاق والبداية لسلسلة من الإجراءات المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية وبقية القوانين الإجرائية من أجل تنفيذ العقوبة الجزائية.
تعريف محضر الشرطة القضائية
لكن، ورغم الأهمية الكبيرة لتقرير الشرطة القضائية، فإن المشرع المغربي لم يحدده في إطار قانون الإجراءات الجزائية الملغى، إذ تعارضت الآراء الفقهية والقضائية عند وضع تعريف دقيق له.
في تعريف الضابطة القضائية جزء من بعض الفقه، هي الوثيقة المكتوبة التي يعدها الموظف المختص لإثبات شكوى أو مشكلة قدمت إليه، أو قدمت إليه بسبب ملاحظته المباشرة للجريمة التي وقعت. وعرفها جانب آخر من الفقه بأنها وثيقة رسمية لا يجوز الطعن فيها إلا بنص في القانون. ويتم إنجازها من قبل موظف متخصص كموظف مدني أو ضابط شرطة، وتتضمن الأحداث التي شهدها (أي الجريمة المعنية وأجزائها والأدلة التي تم الحصول عليها)، مع احترام مجموعة من الوقائع. من الإجراءات.
وتدخل المشرع المغربي بموجب قانون الإجراءات الجزائية الحالي لتلافي النقائص التي عانى منها القانون الملغى، حيث عرف التقرير في الفقرة الأولى من الفصل 24 بأنه “التقرير، على معنى المادة السابقة، هو الوثيقة المكتوبة المكونة مأمور الضبط القضائي أثناء ممارسته لمهامه، ويثبت في المحاضر التي راقبها أو تلقاها. أو أي عملية تم تنفيذها وهي من اختصاصها”. وبذلك يكون المشرع قد حسم الخلاف الذي نشأ بين الفقهاء حول وضع تعريف محدد لتقرير الضابطة القضائية.
ومن خلال هذه التعريفات يتضح حجم أهمية المحضر المنجز وفقا للإجراءات المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية، والذي تم فيه احترام مبدأ المشروعية والفورية في إنجازه، إذ بناء عليه يقوم القاضي تحفظياً تكوين صورة واضحة عن الحادث ثم يثبت بعد ذلك حكمه أو قراره. لكن، وعلى الرغم من كل شيء، فإن تقرير الشرطة القضائية لا يخلو من الإشكاليات التي تنشأ عند عدم احترام سلسلة من الإجراءات الشكلية، مما يخلق صعوبات عديدة أمام القضاة في تكييف محتوى هذه المحاضر مع الوقائع الحقيقية للقضية.
وتتجلى أهمية هذه الدراسة عند معرفة وجهة التقرير الذي تفتقد فيه شكلية التوقيع من قبل الطرفين المحرر والمصرح5. وهل يعتبر باطلا أو صحيحا من حيث الشكل رغم النقص الذي يظهر فيه؟ كما ستمكننا هذه الدراسة من الكشف عن منهج القضاء والفقه المغربي حول إشكالية حكم التوقيع والحاجة إلى القاضي. هل الموضوع حرفي في النص، أم أنه يمارس السلطة التقديرية، ويتجاهل التقرير بأكمله حتى لو كان صحيحا، أو يعتمده حتى لو لم تحترم الشكلية المطلوبة؟
ويظل الإشكال المركزي في هذا الصدد هو ما هو مصير محضر الشرطة القضائية الذي لم يوقع عليه صاحب الإقرار. فهل لا يزال صحيحا شكليا حتى يثق به القاضي ويثق بمضمونه، أم يقول بضرورة التوقيع وإذا فشل بطل التقرير؟
ونظم المشرع المغربي عمل الضابطة القضائية من خلال المواد 16 إلى 35 من القانون رقم 22.01 كإجراء جزائي، بالإضافة إلى نصوص مختلفة لنفس القانون، وذلك لسد الفراغ التشريعي الذي انتقده النص الملغى الذي لم يناسبه عمل الشرطة القضائية بالمغرب في إطار تشريعي.
ويلزم القانون موظفي وأعوان الضابطة العدلية، على التحقق من وقوع الجرائم وجمع الاستدلالات، بإصدار محاضر تحترم الإجراءات المنصوص عليها في المادة 24، مثل وقت وتاريخ ومكان حدوثها ووصف محررها و التوقيع، الخ. إلا أن المشرع المغربي، مراعاة لحالة المصرح، أتاح لهذا الأخير إمكانية رفض التوقيع واعتباره صحيحا متى تبين له عدم تطابق ما جاء في المحضر. الواقع، بل يدخل في باب اختلاق التهم والتهم